يعتبر الهيدروجين العنصر الأخف وزناً والأكثر توافراً في الكون، المرشح
الأقوى لقيادة الثورة العالمية المقبلة في مجال الطاقة. بل إنه هناك من
العلماء من يطلق عليه تسمية "الطاقة المستديمة" كونه لا ينفذ أبداً، أضف
إلى ذلك أن المواد التي يخلفها استخدام الهيدروجين لإنتاج الطاقة هي الماء
والحرارة لا أكثر. ومن المتوقع لطاقة الهيدروجين حين يبدأ العمل بها
فعلياً، أن تحدث تحولاً دراماتيكياً ليس في الاقتصاد الأمريكي بل
والاقتصاد العالمي ككل، لا يقل سرعة ولا تأثيراً عن ذلك التأثير الذي
أحدثته الماكينات البخارية ومحركات الفحم الحجري في القرن التاسع عشر،
وكذلك التأثير الذي أحدثته محركات الاحتراق الداخلي والمحركات التي تعمل
بوقود النفط في القرن العشرين. علاوة على ذلك، فإن الهيدروجين هو مصدر
الطاقة المرشح لأن يضع حداً لاعتماد العالم على النفط، ثم إنه سيحد بدرجة
كبيرة من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون من عوادم السيارات، في الوقت الذي
يخفف من ارتفاع درجات الحرارة عالمياً.
التحول نحو خلايا الوقود الهيدروجيني
وقد ذكرت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" ان الحلم الذي ظل يراود السلطات في
كاليفورنيا بتسيير سيارات كهربائية نظيفة لم يعد قابلاً للتحقيق،
فالسيارات الكهربائية الحالية التي تعمل بالبطارية وبمدى محدود لا يتجاوز
120 ميلاً قبل أن تحتاج إلى إعادة شحن قد بدأت تفقد شعبيتها في أوساط
منتجي السيارات ومنظمي الصناعة، على الرغم من أن شركة تويوتا استطاعت
ابتكار تكنولوجيا تمكن من إعادة شحن البطارية بالكهرباء بفضل نظام الفرملة
المتجدد Regenerative braking system .
أما سيارات خلايا الوقود الهيدروجينية أكبر أحلام التكنولوجيا القادمة فما
زالت تحتاج إلى عقود من الزمن قبل أن تصل إلى مرحلة الإنتاج الضخم، ويقول
مايك شوارتز مدير وحدة التكنولوجيا المستدامة للحركة في شركة فورد موتور
"إن التركيز ينصب الآن على سيارات الكهرباء المهجنة ثم على خلايا الوقود،
ونحن نعتبر السيارات المهجنة الخطوة المؤقتة التي سوف تسمح لنا باستخدام
التكنولوجية المتقدمة الضرورية لإنتاج خلايا الوقود".
استخلاص الهيدروجين
غير أن هناك وسائل وطرائق أخرى لإنتاج الهيدروجين ( الهيدروجين ليس مصدراً
للطاقة وإنما هو ناقل للطاقة كما هي الكهرباء وهو بطبيعته غاز سريع
الاشتعال يمكن أن ينفجر ) وتتمثل هذه في عدة مصادر مثل الخلايا الكهربائية
الضوئية، طاقة الكتلة الحيوية biomass، الطاقة المستمدة من الرياح، إضافة
إلى المصادر المائية والحرارية أو من الطاقة الحرارية الصادرة عن الأرض.
وأخيراً تحويل الكحول الايثيلي إلى هيدروجين، تتسم هذه المصادر الأخيرة
بأنها لا تستخدم وقود المتحجرات ولا المصادر النووية للطاقة، وقد تندرج
المصادر المذكورة فيما يعرف بمصادر الطاقة البديلة. وهذه يكثر استخدامها
الآن في توليد وإنتاج الكهرباء، المثير للاهتمام هنا، هو أنه يمكن استخدام
الطاقة الكهربائية المتولدة من مصادر الطاقة البديلة نفسها، في عملية
التحليل الكهربائي، أي العملية التي تتم بموجبها فصل الماء إلى مكونيه
الرئيسين الهيدروجين والأوكسجين. وما أن تتم هذه العملية، حتى يمكن تخزين
الهيدروجين الناتج واستخدامه كوقود للسيارات، أو لدعم ما تنتجه محطات
وشبكات الطاقة من تيار كهربائي. كما يمكن استخلاص الهيدروجين من المحاصيل
والنفايات الزراعية المنتجة للطاقة المستديمة، عبر عملية تعرف باسم
"التحول الغازي". وفي هذه العملية ليس ثمة مخاوف من احتمال زيادة معدلات
ونسب ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الهواء نتيجة لاستخدام البيوماس .
والسبب وراء قلة هذه الانبعاثات هو أن الكربون الذي تتنفسه النباتات من
الهواء المحيط بها، يعاد إطلاقه ثانية عبر عملية إنتاج الهيدروحين .
انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون
طريقة عمل خلايا الوقود
وعلى الرغم من قيام شركات صناعة السيارات بتصنيع النموذج الأولي لسيارات
تعمل بخلايا الوقود، إلا أن آلية عملها وتصنيعها ما زالت مكلفة، ولا تزال
هناك عقود قبل الوصول إلى نموذج أقل تكلفة وأكثر أماناً وموثوقية .
فالمعوقات التقنية التي تواجه هندسة مركبات عملية ذات خلايا وقود ما زالت
تحول دون الانتقال السريع إلى سيارات تعمل بالوقود الهيدروجيني .
المعوقات التقنية
1- تقانة آمنة وفعالة لتخزين الهيدروجين على متن السيارة، وكذلك توفير مدى
كاف للقيادة نحو300 ميل، ويجب على تقانة تخزين مقبولة أن تتحمل العمل لمدة
تكفي لقطع مسافة لا تقل عن 150 ألف ميل. وينبغي أن تعمل في درجات حرارة
تتراوح ما بين 40 و45 درجة سيلزية، كما يجب أن تكون عملية الإمداد بالوقود
سهلة وتتم في أقل من خمس دقائق. وهناك مقاربات متعددة لتخزين الهيدروجين،
منها طرق تخزين كسائل وكغاز مضغوط وفي الحالة الصلبة، وجميع هذه المحاولات
واعدة ولكنها جميعاً تواجه تحديات.
2- نقل الهيدروجين: من غير الممكن نقل الهيدروجين عبر الأنابيب لمسافات
طويلة في الوقت الحاضر على الأقل، كما هو الحال بالنسبة للنفط والغاز، إلا
أن العلماء يقترحون تخزين الهيدروجين على شكل هدر يد المعدن أو باستخدام
مقاربة الحالة الصلبة .
3- البنى التحتية: تحتاج المركبات التي ستطرح مستقبلاً إلى محطات تزويد
بالوقود الهيدروجيني وهو من غير الممكن في المدى القريب، فإقامة المحطات
يحتاج إلى توافر أعداد كبيرة من هذه الآليات العاملة بوقود الخلايا، فكلفة
هذه البنية ضخمة وتحتاج مثل هذه الخطوة إلى توفير دعم قوي من القادة
المحليين والوطنيين في القطاعين العام والخاص، كما سيستلزم اعتماد
الهيدروجين كوقود أولي للسيارات والشاحنات دعماً من الحكومات للأبحاث
وللعروض التجريبية اللازمة لإثبات جدوى البنية التحتية وهو إن تم سيشجع
المستثمرين في الإنفاق على إنشاء البنى التحتية اللازمة فهم على استعداد
دائم لانتهاز الفرص الجديدة وخاصة تلك التي تحقق أرباحاً ضخمة .
من الجدير ذكره أن مصانع النفط والكيماويات تنتج الهيدروجين الذي يستخدم
لإزالة الكبريت أثناء عملية تكرير النفط في مواقع مختلفة من الولايات
المتحدة ( على طول ساحل الخليج ) وفي أوروبا ( حول مدينة روتردام
بهولندا)، إذ تنتج البنية التحتية القائمة حالياً نحو 450 مليار متر مكعب
من الهيدروجين سنوياً، الذي يستخلص أساساً من الغاز الطبيعي. واستناداً
إلى الطاقة المكافئة، فإن هذا يساوي نحو 140 مليون طن من البنزين في السنة
الواحدة أي نحو 10 % من متطلبات وسائل النقل حالياً. فالانتقال من اقتصاد
يعتمد كلياً على الوقود الأحفوري بمختلف أشكاله وأنواعه إلى اقتصاد
هيدروجيني يتطلب نعاون جميع القوى الفاعلة في المجتمع.
4- ارتفاع كلفة السيارة التي تعمل بالوقود الهيدروجيني مقارنةً بمحرك
الاحتراق الداخلي، فالأولى يصل ثمنها إلى 100 ألف دولار مقارنةً ب 4 آلاف
دولار للثانية.
5- الكلفة المرتفعة: تعتبر كلفة إنتاج الوقود الهيدروجيني أحد معوقات
التحول نحو مجتمع هيدروجيني، وربما يكون من المبكر الحديث عن كلفة تحويل
كافة أشكال وأنواع مصادر الطاقة إلى وقود هيدروجيني في الوقت الحاضر كون
الدراسات لا تزال في مرحلة مبكرة وتحتاج إلى مزيد من الإنفاق على البحوث
لخفض الكلفة وبلوغ مرحلة من الأمان والموثوقية . ويقدر الباحثون كلفة
الكيلوغرام الواحد من الهيدروجين وفقاً لحجم المخزون وطرق الإنتاج
والتوزيع ما بين أربع وستة أضعاف تكلفة الكالون الواحد من الغاز ولين أو
وقود الديزل ( الكيلوغرام الواحد من الهيدروجين يحوي كمية من الطاقة تكافئ
كالوناً واحداً من الوقود المعتمد على البنـزين ) غير أنه نظراً لكفاءة
مركبة خلايا الوقود في حالتها المثلى قد تصل إلى ضعف كفاءة المركبة ذات
الاحتراق الداخلي على الأقل، فإنها سوف تستهلك هذا الكيلوغرام من الوقود
لتقطع ضعف المسافة. لذا من المفترض أن يلاقي الهيدروجين رواجاً تجارياً
متزايداً إذا كان سعر التجزئة لكل كيلوغرام يساوي ضعف سعر التجزئة للكالون
الواحد من الغاز ولين. فكلما تحقق تقدم في تقانات تخزين الهيدروجين
ومعالجة الوقود والتحليل الكهربائي، وكلما زاد الطلب على الهيدروجين، اتجه
سعر الهيدروجين ليقترب من مستوى الأسعار المنشود. ومؤخراً أعلن فريق من
الباحثين في جامعة مينسوتا الأمريكية عن نجاحهم في إنتاج الهيدروجين من
الكحول الايثيلي باستخدام مفاعل لديه القدرة على توليد طاقة كافية لتدفئة
منـزل ولتسيير سيارة. ويقدر هؤلاء الباحثون أن 140 ليتر وقود توضع في
سيارة من طراز بي إم دبليو750 إتش يكفي للسير 350 كيلومتراً باستخدام
الهيدروجين.
وفي الواقع تشير الدراسات الحديثة إلى أن التقانات الحالية تحقق سعراً
هوفي نطاق معامل قدره 1.3 مما نرغب في أن يكون. كذلك يشكل تحويل كافة
وسائل النقل في العالم لتعمل بالهيدروجين تحدياً كبيراً وإن كان هناك من
يقدر بأن عشرة أعوام كافية لإنجاز هذا التحويل.
منتجات في طريقها للأسواق
عوامل عديدة وراء البحث عن بدائل للوقود الاحفوري
وقد تم تصنيع نماذج من هذه السيارات عرضت في عدد من المعارض كان آخرها
معرض طوكيوأواخر عام 2003 إلا أن تصنيع سيارة من هذا النوع آمن وموثوق كما
هوالحال بالنسبة لسيارات الاحتراق الداخلي يحتاج إلى عقدين من الزمن
أوثلاثة على أقصى حد كما يصرح كبار مسؤولي شركات السيارات في العالم ،
فالمعوقات كثيرة وما يزال المستثمرون يترددون بالاستثمار في هذه الصناعة
المستقبلية ، وفي حال النجاح في تذليل الصعوبات والتغلب على المعوقات التي
تواجه تصنيع عدد كبير من هذه السيارات واستبدال محركات الاحتراق الداخلي
بمحركات تعمل بخلايا الوقود فإنه سيتم التخلي بشكل نهائي عن استخدام
الوقود الأحفوري في تسيير المركبات وربما تقود الأبحاث مستقبلاً للتخلي عن
الغاز واستبداله بالوقود الهيدروجيني ، وستنخفض تدريجياً نسبة التلوث
البيئي ، وربما تخف حدة التوترات في مناطق مختلفة من العالم بسبب الصراع
على النفط والغاز وتأمين إمداداتهما ، وسيمكن الفقراء من الحصول على
الطاقة بأسعار زهيدة لم يكونوا يحلمون بها من قبل ، وتنهي احتكار القلة
للطاقة ، كما أن عصر الهيدروجين سيساعد في تضيق الفجوة بين الفقراء
والأغنياء وسينقذ الملايين من دوائر الانغلاق وشح الطاقة. ويعتبر التحول
إلى نظام طاقة الهيدروجين هوالسبيل الوحيد لانتشال بلايين الأشخاص من
براثن الفقر والتخلف.