آليات تفعيل دور الشرطة فيسياق علاقتها بالبناء الاجتماعي نعلم جميعاًأن معظم الدولوالأنظمة تسعى اليوم إلى تحقيق مزيد من مظاهر الأمن الشامل في بنيتهاالوطنيةوالاجتماعية، وفي علاقات الناس بعضهم ببعض، تفادياً لما قد يطرأ من مفاجآت قد تخلبأمنها واستقرارها، وتؤثر في حاضرها ومستقبلها. ولكل نظام أسلوب ومنهج فيما يسعىإلى تحقيقه.. وقد فرض مصطلح شرطة المجتمع أو الشرطة المجتمعية فيالفترة الأخيرةنفسه باعتباره أسلوباً ناجحاً لمواجهة الجريمة بكل أشكالها ، و لكون هذا المفهوم هوالقادر على تحقيق الأمن بمفهومه الحديث وبكل أبعادهالمختلفة لأنه يعنى تفجير طاقاتالأفراد واستنفار قدراتهم لتحقيق الأمن بحيث يشاركفيه الجميع وتتضافر فيه الجهودلتصبح مسئوليه تحقيق الأمن مسئولية وطنية يكون فيهاشعار الأمن مسئولية الجميعواقعاً معاشاً. إن هذا التعاون الأمني بين الشرطة والمجتمع، لابد أن يؤطر ليتمعبر آليات قانونية يعمل الجميع بموجبها، فهنالك الكثير من الدول من قطعت أشواطاًكبيرة في مجال دمج جهود المجتمع وتعاونه لصالح أعمال الشرطة و في أدبيات الشرطة فيالدول التي تنفذ هذه الفكرة السامية, هنالك تأكيدات تشير إلى أن مستوى فعاليةوتنظيم شرطة المجتمع, يحدد فعالية نتائجها. وحينما تعمل أجهزة الشرطة على دمج جهودالمواطنين مع جهود أفراد الشرطة والاستفادة منهم ضمن إطار واضح, تحكمه فلسفة أمنيةمحددة المعالم لها إستراتيجية معتمدة وممولة ولها أهداف محددة وإجراءات عمل مرنةوخطط مستمرة فإن التوفيق والنجاح سوف يكون حتما حليفها. و عليه فشرطة المجتمعأو الشرطة المجتمعية ليست إلا عملاً تعاونياً منظماً تشترك فيه أطراف من السكانأفراداً ومؤسسات، مع أقسام وإدارات الشرط في مدنهم وأحيائهم السكنية، لتحقيقمستويات أفضل في مجال الأمن، و من الأولويات في الشأن الأمني، أن يسهم المجتمعمباشرة في تحديد المشكلات الأمنية، ثم المساهمة بالعمل على تقديم الحلول لها ففيإطار هذه العلاقة يصبح الأمن معززاً و قوياً. و ما يحدد الفرق بين جهاز شرطةوآخر، في تحقيق مستويات محترمة من الأمن، هو مدى ما يتحقق لهذه الشرطة أو تلك، منقيادات قادرة على إدراك أبعاد الأمن، وما يتطلب تحقيقه من مفاهيم فلسفة الأمن، التييجب أن تختلف معطياتها من بيئة إلى أخرى ، فلا يمكن أن يتحقق الأمن في مدينة مزدحمةبالسكان، بنفس الأساليب التي يتحقق بها في القرى والضواحي، أو أيضاً في بيئات أخرىمختلفة، و في ذلك، تبرز الفروق في وعي وكفاءات القائمين على وضع وتنفيذ خطط الأمن ،كما أن فن قيادة الرجال والتأثير فيهم ، ومهارة التعامل مع المجتمع، والمقدرة علىحسن تسخير الموارد وتوازن استخدامها في خدمة الأمن، عناصر مهمة لمضاعفة نتائج أيجهود أمنية. إنه حين يتم دمج جهود أفراد المجتمع في منظومة الشرطة، فإن ذلكيستوجب تغيير طبيعة الأعمال الميدانية للشرطة ، و أعمال القيادة والسيطرة ، لأن هذاالنوع من التعاون الاجتماعي الأمني لا شك أنه يعتمد أولاً وقبل كل شيء على السرعةفي البلاغات، و كذلك دقة المعلومات و وضوحها أيضاً حتى تصبح تصورات القائمين علىتوجيه الأمن أقرب إلى الواقع وكلما كانت أدوار المواطنين نشطة ومتفاعلة كلما عمتالفائدة وانتشر الإحساس بأن الأمن مسؤولية الجميع وعبر شرطة المجتمع تصبح حراسةالمناطق والسهر عليها واليقظة فيها وتحليل أوضاعها وكشف المشتبه فيها شأن يهمالجميع مما سوف يوجد عامل ردع قوي في وجه مخالفي النظام ، الأمر الذي يزيد من أمنالمجتمع وتماسك أبنائه. و رغم تأثير المعطيات العاطفية والفلسفية لإثارة اهتمامالمواطنين وكسب ودهم بالتالي تعاونهم وتفهمهم لأدوار الشرط في حماية المجتمعات وماتحتاجه من تعاون الجميع إلا أن ذلك كله يبقى في نظرنا غير كافي ما لم تحول العمليةالتعاونية إلى ما يشبه التنظيم المؤسسي القائم على فلسفة أمن خاص للتكافل الاجتماعيالأمني عبر خطط طويلة ومتوسطة وقصيرة المدى و التي كلها لا بد لها أن تنطلق منآليات عمل واضحة وفيها وصف دقيق لطبيعة الأنشطة ومجالات التعاون المطلوبة منالمواطنين وذلك كله طبقاً لقوانين ولوائح تنفيذية. هنالك الكثير من التجاربوالدروس المستفادة في مجالات الشرطة المجتمعية يمكن أن تستفيد منها الشرطةالجزائرية إن قررت العمل عبر هذا المفهوم و التي لا بد لها أن تنطلق من محاورأساسية متكاملة هي على النحو التالي : فالمحور الأول هو مجالات التوعية الشاملةو المدروسة للمجتمع كله عن مفهوم الشرطة المجتمعية و الأدوار المطلوبة من المجتمع،بشرط أن تتم هذه التوعية عبر برامج مكثفة و مستمرة. المحور الثاني فهو خاصبأفراد المجتمع غير الشرطة القادرين على التطوع بوقتهم وجهودهم للتعاون بأشكالهالمطلوبة والمتاحة و يتم تدريب المتطوعين و توجيههم عبر برامج وندوات ودورات مستمرةو عبر تزويدهم كذلك بالمعلومات و في بعض الحالات يزودون بوسائل لها علاقة بشؤونالأمن مثل وسائل الاتصال أو الإنذار المبكر. المحور الثالث يوجه لتدريبالمنتسبين لجهاز الشرطة ليتمكنوا من فهم و تطبيق آليات هذا التعاون بكفاءة عالية واحترافية فالتعاون مع المواطن المتطوع لتنفيذ مسؤوليات أمنية عملية تختلف فيفلسفتها كثيراً عن التعاون الرسمي بين رجال الشرطة مع بعضهم البعض . عوقات التعاون بين الشرطة و المجتمع نشيرفي هذا السياق إلى أن عملية التحول من الشرطة التقليدية إلى الشرطةالمجتمعية سوفيلقى الكثير من المعوقات و الصعاب كما سوف لن تسلم هذه العملية من الانتقادات التيلا يمكن التغاضي عنها، و تكمن هذه المعوقات في نوعين النوع الأول يأتي من جانبالشرطة و النوع الثاني هو من جانبالمجتمع. قد أكدت تقريبا كل الدراسات الأمنيةأن آليات خلق نوع من الشراكة الفعالة بين الشرطة و المجتمع ، تختلف حسبثقافة كلمجتمع و ظروفه الاجتماعية و الاقتصادية و يمكننا تقسيم تلك الآليات إلى آلياتخاصةبالمجتمع وآليات خاصة بجهاز الشرطة . فبالنسبة للآليات الخاصة بالمجتمع فهي تلكالتي يسهم بها المجتمع من خلال إشراك أفراد المجتمع من غير الشرطة في عملية منعالجريمةو مكافحتها ، و منها كذلك العمل على نشر الثقافة الأمنية والتي تهتم بنشرالوعي الأمني و ما هي وسائل تحقيقه ودعم الجمعيات النشطة في المجال الأمني. أمافيما يتعلق بالآليات الخاصة بجهازالشرطة فإنها تتعلق بالفجوة في الأداء بينالنظامين والاعتراف بالحاجة للتغييروخلق المناخ المناسب و العمل على تشخيص المشكلةو السعي للتعرف على استراتيجيات بديلة تتجه في الأساس نحو سياسة كفيلة بتحقيق كفاءةأكثر و فاعلية أعلىفي مكافحة الجريمة. إن بناء جهاز شرطة يعمل وفقا لهذاالمفهوم يتطلب الكثير من التغيرات التيلا تقتصر على إعادة هيكلة الجهاز فقط بلالتغيير في الإجراءات و السياسات الشرطيةأيضا لذلك فأن التغيير سيواجه بالكثير منالانتقادات والمعوقات لذا لا يجب صرف النظر عنها لأنها سوف تؤثر حتما على النجاح فيتطبيق الفلسفة الجديدة. لبأس هنا من الإشارة و لو بصورة موجزة لأبرز المعوقاتالتي من شأنها أن تحول دون خلق جهاز شرطة وفقا لهذا المفهوم و التي هي معوقات صادرةمن الجانبين ، الشرطة من جهة و الجمهور أو المجتمع من جهة أخرى . بالنسبةللمعوقات التي تصدر من جهاز الشرطة فتتمثل في غياب الهدف المشتركوالاختلاف فياللوائح و التنظيمات حيث انه من ضمن أهداف جهاز الشرطة كسب رضا الجمهورإلا أنالممارسات العملية عكس ذلك كما أن الاختلاف والازدواج في الأوامر يؤدي إلىخلل فيالأداء و كذلك ضعف عملية الاتصال و المركزية في اتخاذ القرار التي تفقدجهاز الشرطةاحد شعاراته مع تدني المعنويات لرجال الشرطة فهو من أكثر الموظفين عرضهللضغوطالاجتماعية و العملية و عدم وضوح الوعي لدى أفراد الجهاز و عدم فهمهم للفكرةوشعورهم بأن هذا سوف ينقلهم من رجال شرطة إلى موظفي شئون اجتماعية ، و هناك كذلكالتغييرات التنظيمية والخوف من فقدان السيطرة و الخوف منالمجهول حيث أن رجال الشرطةيحبون الاحتفاظ بالصلاحيات و السيطرة على المجال الأمنيو لا يفضلون على الإطلاقالاختلاط بعملهم مع المدنيين وخاصة في العمل الأمني. أما فيمايتعلق بالمعوقاتالتي تحدث من جانب الجمهور نجد أنها تتمثل في تعارضالمصالح لشئون بعض أفراد الجمهورحيث أن هذا التحول سوف يؤدي إلى تعارض مع مصالحالبعض والشعور بعدم المصداقية وهذاناتج عن احتفاظ الجمهور بالتجارب السابقة معالجهاز وتفكيك البنية الاجتماعية وذلكنتيجة للتغيرات السريعة والمفاجئة التي تمربها المنطقة مما أدى إلى وجود خلل فيأنظمة المجتمع فاوجد ظاهرة إغراق اجتماعي وهددبشيوع الجريمة وذلك سوف يعطل نظامالشرطة المجتمعية. خلاصة
خلاصة القول: إن جوهر الوظيفة الأمنية للشرطةخدمة المواطن كما أن الشعور بالمسؤولية والوعي بأهمية دور المواطن في استقرارالمجتمع هما الخطوة الهامة المتصلة بالعمل الأمني لسلامة المجتمع، فعلى المواطن دوركبير وهام في دعم ومساندة جهود الدولة ورجال الأمن للوقوف جنباً إلى جنب مع الذينضحوا بأنفسهم وأرواحهم فداء لهذا الوطنو عليه فإن قمة نجاح هذا التعاون تكون بتخطيهذه المعوقات ، و تتم كذلك حين يدرب المواطنون المتعاونون مع رجال الشرطة و الأمنبوجه عام ، تدريباً مشتركاً على إجراءات أمنية محددة، تضمن وحدة المفاهيم، وتمكنالجميع من القدرة على الوصف والتخاطب بأساليب اتصال معتمدة ومحددة.
و فيمجالات التدريب المشترك، لابد من ترشيد مقدرة المواطنين، لتقييم حالة الأمن بصفةعامة ، و التمييز و التنبؤ في حالات معينة، و بتراكم الخبرة عبر التدريب والإرشادوالتقويم للأدوار التعاونية، يتمكن المواطن من حسن تحليل واقعة معينة، واختيارالأسلوب الأمثل لسرعة إيصال المعلومة إلى الجهة الأمنية، و هكذا تتراكم إيجابياتالشرطة المجتمعية، عبر تعاظم أدوار المجتمع الأكثر إدراكاً، والأكثر تعاوناً معالشرطة، لصالح الأمن العام والأمن الوطني