طبيعة مهام جهاز الشرطة : إن للمؤسسات الأمنية عموما و مؤسسة الشرطة على وجه الخصوص ووظائف متعددة و كثيرة في المجتمع، فمنها ما هي وظائف أمنية و أخرى وظائف اجتماعية،مع بقاء الوظائف أو الواجبات الأمنية التقليدية هي الأساس كونها محددة بمقتضى أنظمةو لوائح قانونية و إدارية. إن وظيفة الشرطة التقليدية و واجبها هي منع الجريمة،واكتشافها، والقبض على مرتكبيها ، و تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم، و المحافظة علىالأمن العام و الآداب ، لذلك فإن أهم الواجبات الوظيفية للشرطة هي تحقيق الأمنوالاستقرار لأفراد المجتمع، و لكي تؤدي هذه المؤسسة الأمنية واجباتها المهنية لا بدأن تكون مقبولة لدى المجتمع حتى تظفر بمساعدته ، لأنه ربما لن تكون مقبولة و هيتنفذ القوانين التي تتعارض مع بعض أهواء و رغبات أفراد المجتمع، ولكن ستتغير الصورةإذا أدخلت هذه المؤسسة الأمنية بعض الإصلاحات على الساحة التقليدية التي تؤدي فيهاواجباتها، لذلك نرى أنه من الضروري الخروج عن نطاقها التقليدي و الدخول في الخدماتالاجتماعية حتى تتقرب بها أكثر إلى مكونات المجتمع ، لأنه و أمام هذه المسئوليةالكبيرة تجد أن الشرطة بمفردها حتما عاجزة إلى حد ما عن تحقيق رسالتها لأنها محدودةالعدد بالنسبة لأفراد المجتمع ... ومن هنا بات لزاما على الشرطة أن تعمل على توطيدالدور الاجتماعي لها من خلال بناء جسور الثقة والتعاون بينها وبين الجمهور فهي لاتستطيع – وحدها وإن وكانت هي الجهاز المتصل اتصالاً مباشراً بأنواع السلوك المنحرف – أن تقي المجتمع من الجريمة، وتحقق له الأمن بدون تلك الثقة للمشاركة في تحملالمسئولية الأمنية بمفهومها العام . و عليه فإذا كانت مسألة تحقيق الأمن والعمل على استتبابه تقع في الأساس على عاتق جهاز الشرطة بالدرجة الأولى كمؤسسةأمنية في المجتمع على اعتبار أنه وظيفتها الأساسية ، فإن توفير الأمن يبقى مسئوليةكافة الأجهزة والمؤسسات الحكومية وكل إفراد المجتمع، لذلك من الضروري وجود علاقةقوية و متينة بين المؤسسة الأمنية والمجتمع لمنع الانحراف والجريمة والمشاركة سوياًفي مكافحتها. لذلك نجد اليوم المؤسسات الأمنية و على رأسها جهاز الشرطة تقدمبعض الخدمات الاجتماعية التي ترتبط بالمجتمع ارتباطاً وثيقاً و منها على سبيلالمثال ، المشاركة في حماية الآداب العامة، حيث تقوم الشرطة بوصفها إحدى المؤسساتالأمنية بحماية الآداب حتى قبل وقوع أي جريمة، إضافة إلى مراقبة المواقع التي تمارسفيها الرذيلة و الفساد الأخلاقي ، ناهيك عن حماية الأحداث من الانحراف و ذلكبالتدخل في بعض الحالات التي تسبب انزلاق الحدث نحو الجريمة ، بالإضافة إلى تقديمخدمات إنسانية متعددة ، فهناك مجال واسع للخدمات الاجتماعية والإنسانية التي يمكنأن تقوم بها المؤسسات الأمنية خدمة للمواطنين، فهناك المجالات الخيرية المتعددة ،إذ يمكن أن يكون لها دور في التدخل في حالة الكوارث والنكبات ليس بالمساعدة فقطولكن بالإسعاف وتقديم الخدمات والعون ، زيادة على ذلك إقامة أيام دراسية و أبوابمفتوحة وتقديم الدور التوعوي بالإضافة إلى كسر الحاجز بين المواطنين و رجال الأمن ،دون أن ننسى المساهمة بإدارة دوريات الأمن بمختلف مناطق الوطن و المشاركة فيالحملات الأمنية التي تجعل المواطن أكثر شعورا بالأمن و الاستقرار و الطمأنينة وراحة البال ، فنشاهد اليوم و لله الحمد الحملات الأمنية التوعوية الشاملة، من أسبوعالمرور ويوم الشرطة العربية، واليوم العالمي للمخدرات، و يوم وطني للشرطة، كل هذهالحملات الإعلامية الهادفة تصب إلى توعية وتبصير المجتمع ومؤسساته إلى الخدمات التيتقدمها المؤسسات الأمنية، وبالتالي تخرج هذه المؤسسات الأمنية عن نطاقها التقليديوتدخل في دائرة الضوء التي تقربها إلى كافة أفراد المجتمع. الملاحظ في هذاالسياق ، أن الشرطة العربية بصورة عامة غنية بهذه التجارب، حيث خروج كثير من قواتالشرطة العربية إن لم نقل كلها من محيط واجباتها التقليدية إلى رحاب مجالاتاجتماعية في إغاثة المريض وذوي الحاجة وفي حالات الطوارئ و رغم ذلك تبقى الشرطةمطالبة بالقيام بمزيد من الخدمات التي تقدم لعموم أفراد المجتمع ومؤسساته وتدعم ذلكبالمحاضرات والمشاركة الأمنية العلمية ، حتى تكسب مؤسسة الشرطة أفراد المجتمع ثقتهاو تدفعهم طواعية للمشاركة معها في رسالتها الأمنية. لقد أكدت العديد من دراساتالأمنية الحديثة أن أهميةالشراكة بين الشرطة و المجتمع ازدادت بعد إدراك أهميةالعلاقة العضوية بين الشرطة كنظام امنيوالبناء الاجتماعي ، مذكرة أن الشرطة تقومعلى العديد من الأسس و لعل أبرزها هو مشاركة جميع أفراد المجتمع في مهامها الأمنية، معتبرة أن أداء الشرطة يقاس بمقدار حجم مشاركة الجمهور ومقدار خفض الخوف منالجريمة وعدد ضحاياهاوكذلك بتحسين ظروف الحياة وانخفاض المشكلات الاجتماعية مشيرةإلى أنها تقوم علىالاتصال الدائم بالجمهور، وتهدف إلى حل المشكلات بالمجتمع وتحسينالعلاقة كما أنالتغير الوظيفي الذي تقوم به الشرطة اليوم يعتبر تغيرا بناء وصادقاوعادة مايكون مجال تأثيرها مباشراً على المشاركين في الميدان وتكون الاستجابةلأعمالهم سريعة. قد درج المشتغلين في مجال العلوم الأمنية على استعمال تعبيرشرطة المجتمع أو كما يطلق عليه أشقاؤنا في الخليج الشرطة المجتمعية و هو التعبيرالأكثر تداولا لأنه لفظ استعمل في أكثر من تعريف وقد يعكس ذلك رغبة عند منيستعملونه فيما يريدون بسيادةقيم معينة في العمل الشرطي . تعد شرطة المجتمع أوالشرطة المجتمعية مفهوماً جديداً للعمل الشرطي التقليدي، الذييسبق الحدث الأمنيالقائم على المعلومات الدقيقة النابعة من مصادرها الحقيقية فيالمجتمع الذي يبقىالمستفيد الأول و الأخير من خدمات الشرطة و مختلف الأجهزة الأمنية بصفة عامة ، وعليه فشرطة المجتمع هي فلسفة تنظيمية وإستراتيجية قوامهاانفتاح الشرطة التقليديةعلى مختلف عناصر المجتمع وتحقيق مشاركة حقيقية بين الشرطةوالمجتمع في تحملالمسؤوليات الأمنية بمفهوم شامل وجهد طوعي نابع عن إرادة صادقة ..من خلال بناء هذهالإستراتيجية الأمنية الجديدة التي تتناسب وحجم التطورات الشاملة التي تشهدهاالجزائر و ما يتطلبه ذلك من توفير رؤية أمنية جديدة تواكب معطيات التغيراتوالتحديات المفترضة أو المحتمل وقوعها..، هذه الإستراتيجية تقوم في الأساس علىشراكة جهاز الشرطة مع المجتمع ، هذه الشراكة التي تعتبر في نظرنا أسلوبا عصرياجديدا يمكن أن يسهم في بناء جسور الثقة المتبادلة بين أفراد المجتمع والأجهزةالأمنية ، ووضع المواطن والمقيم ومختلف مؤسسات الدولة و المجتمع المدني جنباً إلىجنب أمام مسؤولياتهم وواجباتهم في توظيف كل القدرات و الإمكانيات للتصدي للجريمةبظروفها ومتغيراتها ومواجهة مختلف المشكلات التي تهدد أمن واستقرار المجتمع ،فالشرطة المجتمعية إذن عنصر هام في المنظومةالأمنية التي تحتاج من كافة المؤسساتإلى تفعليها والعمل على نشرها..... أهداف الشرطة من إشراكها للمجتمع في وظيفتهاالأمنية تقوم فكرة شرطة المجتمع على تحمل كافة فئات المجتمع مسئولية الأمن بصورةمباشره وعلى تكوين مشاركة فعلية كاملة في المسئولية بين المجتمع المحلى والشرطة منخلال تحديد المشكلات الأمنية و سبل الوقاية منها و آليات مكافحتها ، إذن فهي تجنيدلجميع طاقات المجتمع بما يمكن أن يطلق عليه الحس الأمني الذي يزود الفرد بالأهدافالأمنية والمصالح المشتركة التي ينبغي الحفاظ عليها ، فالشرطة بهذا المفهوم هي جهازيسعى إلى تعزيز الجهود الرامية لمكافحة الجريمة و تكوين نوع من الرضا لدى المواطنينعن الخدمات الأمنية بصفة عامة وبخفض الخوف من الجريمة وحل المشكلات المحلية وخفضمعدلات الجريمة و زيادة رضا أفراد الشرطة عن عملهم و نشير هنا إلى أن هنالك العديدمن الأهداف المتوخاة من تطبيق مفهوم الشراكة بين الشرطة و المجتمع أو ما يطلق عليهفي العلوم الأمنية بمصطلح الشرطة المجتمعية ، نذكر منها ، العمل على تطوير العملالاجتماعي و الإنساني في جهاز الشرطة بمايساهم في تحقيق التقارب بين جميع أفرادمؤسسة الشرطة من جهة ومن ثم تحسينالعلاقة التبادلية بين الشرطة والمجتمع من جهةثانية ، بالإضافة إلى تفعيل الدور الوقائي وسط المجتمع من خلال تبني مفهوم " الوقايةخير من العلاج" الذي لا يتحقق إلا من خلال إشراك المجتمع بكل فئاته في هذهالمسئولية، و إزالة الحاجزالنفسي لدى المواطنين في التعامل مع الشرطة.. ، ناهيك عنإيجاد حلول موضوعية وعملية للمشكلات الاجتماعية والأسرية من خلال دفعالجمهورللمشاركة في تقويم السلوكيات الخاطئة ، بصفة عامة تطوير آليات العمل التطوعيفي المجال الأمني .